للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إظهار النزعة العربية:]

لقد وضعت المدائح النبوية أمام الناس أمثلة عظيمة من العدل الاجتماعي، وحرّكت في نفوسهم التوق إلى العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، وتطبيق مبادئ الدين الحنيف جميعها، فتضافرت مع أسباب أخرى، ليظهر التململ الاجتماعي الذي تحدثنا عنه سابقا، وكانت مناسبة عظيمة ينفّس العرب فيها عن كربهم وكبتهم، فهم يمدحون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو عربي الأرومة واللسان، ولا يستطيع أحد أن يعترض على ذلك، ويمدحون العرب بذكر الصحابة، ولا يجرؤا أحد على الاعتراض والمساءلة، وبذلك يشاد بالعرب في دولة لم يكونوا السادة فيها، وهذا يظهر أنهم لم يخلدوا لسبات عميق، وظلوا في حركة وتململ، وظلوا معتزين بأنفسهم، فهم حملة الرسالة السماوية ومنهم سيد الخلق الرسول العربي الكريم.

وعلى الرغم مما وصل إليه الأتراك من نفوذ، فهم لم يستطيعوا أن يصبغوا البلاد العربية بصبغتهم، ولم يستطيعوا الابتعاد كثيرا عن الثقافة العربية، لأن اللغة العربية ظلت لغة الدولة والعلم والتأليف، وظلوا يحتفظون في أنفسهم بشيء من الاحترام للخلافة العربية الإسلامية، ويحرصون على استمداد شرعية ملكهم منها.

ولم يكن الاعتزاز بالعروبة قاصرا على الذين يحتفظون بسلسلة نسبهم العربي الخالص، وإنما اعتز بالعروبة كل من انتمى إليها حضاريا، فاختلاط العرب بغيرهم من الشعوب، جعل من العسير على معظم الناس الاحتفاظ بأنسابهم، وإثبات أصالتها العربية، لكن ذلك لم يقلل من انتمائهم للعروبة، وخاصة أن الإسلام ربط بين عناصر الدولة، وخفّف من حدة التنافر بينها، فجميعها تلتقي على الإسلام ورسوله الكريم، وتتوحد حوله، ولذلك وجدنا من يرى في علاقة العرب بالترك علاقة تكامل، لا علاقة تطاحن، مثل قول ابن سناء الملك مشيدا بانتصارات الأتراك في الحروب الصليبية قبيل دولة المماليك:

<<  <   >  >>