للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الصنعة اللفظية:]

والتوراة كثيرة في شعر المديح النبوي، مثلما هي كثيرة في شعر العصر، وخاصة في شعر عصبة من الشعراء عرفوا باتباعهم مذهب التوراة والانسجام، وهم كبار شعراء العصر، وإلى جانبهم شعراء آخرون فتنوا بالبديع من جناس وطباق وتضمين ومراعاة النظير وبراعة الاستهلال واستخدام الأمثال، وغير ذلك من فنون البديع التي بلغت عدتها الشيء الكثير، وهي لا تزيد في بلاغة اللغة، بل تقيد حرية التعبير، وتثقل الصياغة، وهي أقرب إلى الرياضة الذهنية منها إلى البلاغة التعبيرية، ولو استعرضنا بعض نصوص المدائح النبوية، لوجدنا من هذا الضرب الكثير، فعائشة الباعونية تحدثت في مقدمة مدحة نبوية عن شيوخها من المتصوفة، فقالت:

هم عين عيني وهم سرّي وهم علني ... هم سرّ كوني وهم بدئي ومختتم

الموت فيهم حياة والفناء بقا ... والذّل عزّ فيا طوبى لصبّهم «١»

فطابقت بين السر والعلن والبدء والمختتم، والحياة والفناء، والذل والعز.

وجانس الصرصري في قصيدة نبوية في جميع أبياتها، وهذا يظهر أن الجناس لم يأت عنده عفو الخاطر، وإنما أجهد نفسه لتتم له هذه المجانسة، فقال:

وخوص نواج ضمّر جابت الفلا ... فما صدّها عمّا تروم وجاها

بأكوارها شعث النّواصي من الس ... سرى تحاول عزّا لا يبيد وجاها

تودّ من التّعظيم لو بذلت له ... ليرضى فداء أمّها وأباها

نبيّ أطاعته الكنوز فلم يكن ... لها قابلا بل ردّها وأباها «٢»


(١) ديوان الباعونية، ورقة ١٠.
(٢) ديوان الصرصري، ورقة ١١٧.

<<  <   >  >>