للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثالث الأسباب الدينية]

إن المتتبع لأحوال الناس في القرنين السادس والسابع، يلاحظ بوضوح غلبة الروح الدينية على مجمل النشاط الإنساني في الأمصار العربية الإسلامية، ويظهر أن ما شهدته من اضطرابات عنيفة بسبب الغزو الخارجي من جهة، وبسبب النزاع السياسي الذي تستر بالعقيدة بين القوى المتصارعة على السلطة من جهة ثانية، كان وراء التمسك بالدين والحرص على شعائره، طلبا للراحة والطمأنينة حينا واتخاذه سلاحا في الصراع الداخلي والخارجي حينا آخر.

فالغزو الفرنجي للأقطار العربية اتخذ الطابع الديني، وتستر بإنقاذ المقدسات المسيحية من أيدي المسلمين، لذلك عرف ذلك الغزو بالحروب الصليبية وعرف الغزاة بالصليبيين الذين لم يكتفوا بإظهار طمعهم بالأرض العربية وخيراتها، وإظهار عدائهم السياسي للعرب، بل أخذوا في مهاجمة الدين الإسلامي وصاحبه، وإنكار نبوته، وهذا ما دعا المسلمين إلى الرد عليهم، ومجادلتهم جدالا دينيا، كان له أثره في بعض المعتقدات الدينية، وفي الأدب والفكر.

وكان يوجد قبيل العصر المملوكي دولتان، تتنافسان تنافسا سياسيا وعقائديا، هما الدولة العباسية والدولة الفاطمية، وقد وصلت آثار هذا التنافس إلى العصر المملوكي.

ويضاف إلى ذلك أن تيار التصوف اشتد قوة واتساعا، وتعددت فرقه.

فكان من نتائج ذلك كله ظهور فرق متباينة، وجدال ديني، أعطى نشاطا ملحوظا للحركة الدينية، تجلّت في إقبال الناس على علوم الدين، وكثرة التأليف فيها، وفي الأدب الديني الذي تجسد في الشعر الصوفي وإضغاء الصفة الدينية على الممدوح، وفي المدائح النبوية.

<<  <   >  >>