للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسم الثاني- المدح الديني:

رأينا كيف مدح الصحابة والشعراء الذين شهدوا البعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مثلما كانوا يمدحون ساداتهم، لأنهم ظلوا في مديحهم له على تقاليدهم الشعرية التي حذقوها في المدح، ولأن الوقت لم يكن كافيا لتظهر المؤثرات الدينية في شعرهم، ولم يكن مفهوم النبوة واضحا في أذهانهم، فليس أمامهم مثال يحتذونه، ولم يسبق لهم أن مدحوا نبيا.

وقد استمرت هذه الطريقة في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك، أو أن القيم التقليدية لهذا المدح استمرت راسخة في المدائح النبوية التي ظهرت في العصر المملوكي وما قبله.

بيد أن المظاهر الدينية في مدح الرسول الكريم أخذت تظهر عند الشعراء الذين مدحوا رسول الله في حياته، فامتزجت المعاني الدينية بالمعاني التقليدية، وقلما خلصت مدحة نبوية لأحد الاتجاهين، فالقيم التقليدية أضحى لها طابع ديني عند مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها، وخاصة أن الإسلام أقرّ هذه القيم وهذّبها ومنحها مفهوما جديدا، ومن هنا جاء التداخل بين المفاهيم التقليدية والمفاهيم الدينية في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما الفصل بينهما إلا فصل نظري، اقتضته متطلبات الدراسة.

فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الذي بلّغ الرسالة السماوية، وهو الذي علّم الناس دينها، وهو شخصية دينية في المقام الأول، فلا يعقل أن يمدح دون أن يتطرق مادحه إلى مكانته الدينية، ودون أن تذكر خصائصه وفضائله ومواهب الله له، فالمدائح النبوية هي لون من ألوان الأدب الديني، تتعلق بصاحب الدين، وهادي الناس إلى النور والحق، لذلك عبقت بالمشاعر الدينية، وامتلأت بالمفاهيم الدينية، وتعرضت لسيرة النبي وفضائله ومعجزاته، وأظهرت تميّزه بين البشر.

وحاول مدّاح النّبي الأمين أن يجلوا شخصية رسول الله الرحبة قدر المستطاع، لكن المتميز منهم من طرق جانبا جديدا من جوانب هذه الشخصية الفذة العظيمة، أما معظمهم فقد ردّدوا المعاني نفسها، وأعادوا الأفكار ذاتها، وإن أعادوا صياغتها.

<<  <   >  >>