للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظلوا على تفضيله، يؤكدون أن قدره فوق الخلق جميعا، لذلك حرصوا على إظهار تفرده وإبعاد أي شبه لأخلاقه وفضائله، فرسول الله نسيج وحده، وهو تجسيد للكمال الإنساني الذي قال عنه الشرف الأنصاري «١» :

أبان نقص الجميع عنه ... لمّا غدا في الكمال مفرد «٢»

وبذلك نجد أن شعراء المديح النبوي قد أجادوا في مديح النبي الكريم بالقيم التقليدية المعروفة عند العرب، والتي مدحوا بها ساداتهم.

لكن هذه المعاني التقليدية أخذت طابعا خاصا في المدائح النبوية، وأصبح لها وهج خاص عند مدح رسول الله بها، فسمت عند نسبتها إليه، فكأنها غادرت تقليديتها، واكتسبت خصوصية وقداسة فالشعراء افتنّوا في عرضها، وفي الذهاب بها إلى الغاية التي يعرفونها عند البشر، دون أن يحذروا الوقوع في المبالغة المفرطة، لأنهم مهما غالوا في هذه القيم، ستظل مغالاتهم قاصرة عن الوصول إلى المرتبة التي يحتلها النبي الكريم.

فلم يبق المدح التقليدي تقليديا، ولا يصح مثلا أن نقتطع مقطعا من هذا المدح، ونقوله في إنسان آخر غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما يمكن أن يحدث في مدح غيره.

ولم يكن المدح بالقيم التقليدية في المدائح النبوية أثناء العصر المملوكي متطابقا مع المدح التقليدي الذي مدح به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حياته، لأن الشعراء باتوا يدركون مفهوم النبوة، ويعرفون قدر النبي الأمين حق المعرفة، فمدحهم وإن كان يأخذ الجانب الإنساني من شخصية الرسول الفريدة، كان يراعي الجانب الروحي والنبوي ومكانته الدينية، وكان في غالب الأحيان مختلطا به، ويصعب الفصل في مدحهم بين الجانب الديني والجانب الدنيوي، وما كان الفصل إلا مفتعلا لتسهيل الدراسة، وبيان ألوان المديح النبوي في المدائح النبوية خلال العصر المملوكي.


(١) الشرف الأنصاري: عبد العزيز بن محمد بن عبد الحسن، برع في العلم والأدب، وكان شيخ شيوخ حماة، له ديوان شعر، توفي سنة (٦٦٢ هـ) . ابن شاكر: فوات الوفيات ٢/ ٣٥٤.
(٢) ديوان الشرف الأنصاري: ص ١٤٩.

<<  <   >  >>