للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا مضى الشعراء في وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومدحه بالقيم التقليدية التي عرفت في المديح العربي، لكنهم وصلوا فيها إلى مراتب لم يصلها مدّاح غيره، لأن حدود المبالغة مفتوحة أمامهم، لا يوجد ما يحدهم في الإشادة به كيفما يشاؤون، فيمزجون القيم الأخلاقية مع المحاسن الجسدية، مع الفضائل الاجتماعية، في تناسق وتكامل، اقتضته شخصية رسول الله المتكاملة، فمدحه النصيبي «١» بقوله:

نبيّ سخيّ حييّ وفيّ ... أبرّ البريّة قولا وفعلا

وسيم عليه يلوح القبول ... وسيما السّعادة مذ كان طفلا

وما زال يملأ أرض العدوّ ... في طاعة الله خيلا ورجلا «٢»

وظل شعراء المديح النبوي ينظمون مناقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخصائصه الفاضلة في عقد بديع، ويقرنون بعضها إلى بعض، باذلين جهودهم في إخراجها الإخراج الذي يليق بصاحبها، فالصرصري وصفه بقوله:

جمعت له غرّ المناقب فهي كال ... عقد النّظيم لا تتوزّع «٣»

ولم يقارن شعراء المدائح النبوية رسول الله بأحد، فالمقارنة لا تصح هنا، لكنهم فضّلوه على جميع البشر فقال الصرصري:

جمعت ما في الكرام الزّهر مفترق ... وزدت فضلا عظيما غير محصور

فأنت سيّد أهل الفضل أجمع في ... أصل وفرع وتقديم وتأخير «٤»


(١) النصيبي القوصي: محمد بن عيسى، أديب شاعر محدّث، كانت له مشاركة في النحو واللغة والتاريخ، ومعرفة بالبديع والعروض، له قدرة على ارتجال الشعر، توفي سنة (٧٠٧ هـ) . الأدفوي: الطالع السعيد ص ٦١٥.
(٢) الأدفوي: الطالع السعيد ص ٦١٦.
(٣) ديوان الصرصري: ورقة ٥٧.
(٤) ابن شاكر: فوات الوفيات ٤/ ٣١٠.

<<  <   >  >>