والروايات الغيبية، لأن شاعرية الموشح وإيقاعه لا تسمح للناظم أن ينقاد إلى النظم المجرد.
وبذلك يظهر لنا أن المديح النبوي في العصر المملوكي قد أودع في الأشكال الشعرية جميعها، التي كانت تعرف آنذاك، لأن هذا الفن الشعري لا يحوز على اهتمام فئة دون فئة، بل يحوز على اهتمام المسلمين جميعا.
وقد حفلت المدائح النبوية بتنوع كبير في الشكل الشعري، يفوق ما عرفه أي فن شعري آخر، فبالإضافة إلى كل ما سبق نجد ألوانا أخرى من الشكل الشعري، دعت إليها طبيعة المضمون، فلم تتابع شكل القصيدة العربية التقليدي في أجزائه وتركيبه.
[الأشكال المتميزة:]
ومن هذه الألوان مقصورة لابن جابر، مدح فيها النّبي الكريم، وتحدث عن مواضيع أخرى، لكنه أطالها إطالة كبيرة، وقسّمها إلى أجزاء، ليس بينها ما هو مقدمة أو ما هو غرض، بل قدم موضوعاته في القصيدة وفق ما يوصله إليه نظمه، وما يتبادر إلى ذهنه، والأجزاء في معظمها معشرات، يتألف كل جزء من عشرة أبيات مرتبة ترتيبا أبجديا، إذ استوفي في القافية حروف الهجاء جميعها قبل حرف الألف، فلا يجمع القصيدة إلا انتهاء القافية بحرف الألف، ووجود مدح النبي منثورا في أجزائها، بدأها بقوله:
بادر قلبي للهوى وما ارتأى ... لمّا رأى من حسنها ما قد رأى
فقرّب الوجد لقلبي حبّها ... وكان قلبي قبل هذا قد نأى
ثم تغزل فقال:
يا ربّ ليل قد تعاطينا به ... حديث أنس مثل أزهار الرّبى