وهكذا أخذ الشعور الديني ينمو ويشتد، ليتهيّأ الناس لصد الغزو الصليبي، فعمل الحكام على تغذية هذا الشعور بتقريب رجال الدين وتشجيعهم، ليتقرّبوا من العامة، فبنوا المساجد والمدارس والزوايا، وأحيوا الاحتفالات الدينية بأنفسهم.
وظهر أثر هذا الشعور الديني على مجمل نشاطات الحياة في الدولة المملوكية، والدول التي سبقتها، ووصل إلى الأسماء والكنى والألقاب، فكانت مضافة إلى الدين أو منسوبة إليه.
وهذا الشعور هو الذي هيّأ للأجناس المختلفة أن تحيا في مجتمع واحد، وأن تجاهد معا لدرء خطر الغزوات العاتية، وأن تواصل بناء الحضارة العربية الإسلامية وإثرائها.
[مجادلة أهل الكتاب:]
ظهر التوجه الديني في الأدب ظهورا كبيرا وعميقا، فكان ينشأ في سبيل الدين ويعكس المشاعر الدينية المتأججة، ويحمل آثار المناظرات والمجادلات التي كانت تحدث بين فرق المسلمين المختلفة من جهة، وبين المسلمين وأهل الكتاب من جهة أخرى، واشتدت هذه المناظرات خلال الحروب الصليبية إذ أخذ المسلمون يدافعون عن دينهم ونبيهم، ويثبتون له النبوة بدلائل مختلفة، فصنفوا في ذلك الكتب الكثيرة، واطلعوا على كتب النصارى واليهود، ليثبتوا ما يذهبون إليه، فشاع بينهم مثلا ما نسب إلى كعب الأحبار أنه قال:
«تجد مكتوبا- يعني في التوراة- محمد رسول الله، عبد مختار، لا فظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر.. مولده بمكة ومهاجره بطابة، وملكه بالشام»«١» .