الشعر إلا هيكله الخارجي من وزن وقافية. ولم يكن للنظم محاسن تذكر، تضاف إلى صياغة الشعر العربي وأسلوبه، بل كان مضرا أكثر منه مفيدا، ولو عزلت القصائد التي غلب عليها النظم عن بقية المدائح النبوية، وضمّت إلى فن المنظومات العلمية، لكان ذلك أقرب إلى الصحة.
[التصنع:]
والأسلوب الثالث الذي برز في المدائح النبوية، هو الأسلوب المتصنع، الذي ساد في العصر المملوكي، فالأديب يجهد عقله في تنميق صياغته وزخرفتها، وحشد أكبر قدر ممكن من المحسنات البديعية التي فتنتهم. الكاتب المولع بالصنعة، غدت كتابته جمعا لضروب البديع لا أكثر، والشاعر الذي ملكت عليه الصنعة نفسه، أضحى شعره إقامة الوزن للمحسنات البديعية، ولذلك كان لا بد من أن يظهر هذا الأسلوب في المدح النبوي، طالما أنه يعد من مفاخر الشعراء، ومما يتباهون به، إظهارا لمقدرتهم، وإثباتا لإبداعهم.
ولم تكن هذه المحسنات البديعية مما أتى به أهل هذا العصر، بل هي معروفة موجودة منذ العصر الجاهلي لكنها كانت تأتي عفو الخاطر، ولم يتنبه عليها إلا الشعراء العباسيون الذين أخذوا يقصدون إليها قصدا، يجملون بها صياغتهم، ولم يكثروا منها، فبقيت مبعث جمال لشعرهم، لكنها أخذت تزداد في الشعر شيئا فشيئا حتى أثقلته.
وقد شارك هواة البديع في المديح النبوي، فجاءت قصائدهم مثقلة بفنونه، يجورون على المعنى والأسلوب معا، طلبا لهذه الزينة، فلا يأتون بشيء، بل إنهم يسيؤون من حيث يظنون أنهم يحسنون، ووصل الأمر ببعضهم إلى حد الربط بين المديح النبوي وفنون البديع، فخرجوا بقصائد نبوية، هي البديعيات، تجمع ما بين مدح النبي، وذكر ضروب البديع والتمثيل لها.