للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإضافة إلى الجدل الديني بين الفرق الإسلامية، والتنافس فيما بينها، وإغناء بعض الفرق فكرها باراء ونظريات أجنبية، وتطعيم معتقداتها بأشياء من الأديان الآخرى، والفلسفات المتباينة، كل ذلك جعل الحقيقة المحمدية من أبرز النظريات الدينية التي شاعت في ذلك العصر، فكان لا بد لشعراء المديح النبوي من ذكرها، ومدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها، لأنها تضع النبي المصطفى في مرتبة سامية لا يدانيها مخلوق، وهم يسعون إلى ذلك، وهذا في رأيهم منتهى المدح له صلّى الله عليه وسلّم، وأقل ما يليق به.

[الرسول والبشرية:]

إن الدافع لمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المقام الأول، هو المحبة للنبي الكريم، والإشادة بأثره في البشرية فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمل رسالة السماء إلى الناس، فنقلهم من وضع إلى وضع، وأخرجهم من ظلمات الجهل ومفاسد النفس إلى نور الهداية وصفاء النفس، ووضع أسس العلاقة الصحيحة بين الإنسان وخالقه، وبين الناس في حياتهم الدنيا، فحقق للإنسان إنسانيته، وأعطى لوجوده معنى، ولحياته رسالة وهدفا.

وقد حرص شعراء المدائح النبوية على إظهار أثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الناس كافة في قصائدهم، وزادوا على ذلك، فأشركوا الكون كله في التفاعل مع النبي، فالمكان الذي له علاقة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم سما على الأمكنة كلها، والزمان الذي بعث فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زها على الأزمنة جميعها، ومن قبل حين تحدثنا عن الرحلة في المدحة النبوية، تبين لنا كيف أضفى شعراء المديح النبوي على راحلاتهم مشاعر الحنين لزيارة قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومشاعر الغبطة بالوصول إليه.

فالكون كله متأثر بسيد الخلق، مبتهج جذل بمبعثه، وكأن شعراء المدائح النبوية خلعوا مشاعرهم على كل ما حولهم، إذا نظرنا إلى المعجزات أو الإرهاصات بعيدا عن النظرة الدينية.

<<  <   >  >>