للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكنّه أنهله كأسه ... وهو حبيب الله خير الأنام

فماجت الأرض بمن فوقها ... لموته وانهلّ صوب الغمام

لله موت المصطفى إنّه ... رزء عظيم لا يضاهي العظام «١»

وبذلك نجد أن المديح النبوي، هو في بدايته قسم من المديح العام الذي عرف في أدبنا العربي، ولكنه انفرد عنه، لأنه مخصّص لسيد البشر، ولأن الممدوح يفترق عن عامة الناس، ولأن كل ما يرد في المدحة النبوية يلتزم نهجا خاصا في التأدب والسمو، لا نجده في المدائح الآخرى.

وافترق المديح النبوي عن الرثاء، بعد أن تطاول الزمن على وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد أن اتجه الشعراء نحو الإشادة بفضائله الكريمة وشمائله العطرة، وأفعاله المباركة، دون التعرّض للحزن والأسى، وهما من خصائص الرثاء، وبعد أن استقر في أذهان الشعراء تواصل حياة النبي المصطفى، اتسع نطاق المديح النبوي طلبا للمغفرة والرحمة، وتحقيقا لأهداف مختلفة أرادها الشعراء من وراء تسابقهم إلى المديح النبوي.

القسم الثاني- المدح النبوي في حياة الرسول:

حين بعث النبي الهادي واجه مقاومة شديدة من المشركين، الذين كفروا برسالته السمحة وخافوا على مكانتهم، ونمط معيشتهم، التي دعا الإسلام إلى تغييرها وإلى مساواة جميع الخلق تحت رايته، فتصدوا له منذ البداية، وخاضوا مع المسلمين صراعا طويلا استخدموا فيه جميع أسلحتهم إلى أن فلّت، وإلى أن كتب الله للإسلام النصر المبين. وكان الشعر من أمضى أسلحتهم، لما له من فاعلية وتأثير في مجتمعهم.


(١) ابن ناصر الدين الدمشقي سلوة الكئيب ورقة ٢٣٦.

<<  <   >  >>