للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الانتقال:]

المدحة النبوية مثل غيرها من المدائح لا تقتصر في مضمونها على موضوع واحد، بل تتعدد فيها الأغراض والمواضيع، فينتقل الشاعر أثناءها من موضوع إلى آخر انتقالا حادا حينا، يشعر المتتبع بالافتعال والتصنع، وانتقالا رفيقا حينا آخر، يدل على مهارة الشاعر ومقدرته على ربط المواضيع، بعضها ببعض، وخاصة عند ما ينتقل الشاعر من مقدماته إلى غرضه الأساس (المديح) ، ويسمى هذا الانتقال عند البلاغيين المخلص أو حسن المخلص، إذ يجب على الشاعر أن يحترز من انقطاع الكلام، أو الحشو الذي لا طائل من ورائه، أو من اضطراب الكلام عند ذلك، فيشعر قارئ القصيدة أو سامعها بارتباك الشاعر عند انتقاله. والأمثلة على ذلك كثيرة، فجميع قصائد المديح النبوي تحوي على مثل هذا التخلص، يجيده الشاعر حينا، ويستعجل حبكه حينا آخر. ومن ذلك انتقال البوصيري إلى المديح بعد أن تحدث عن المعاصي فجعل ذلك مخلصا إلى مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:

ظلمت سنّة من أحيا الظّلام إلى ... أن اشتكت قدماه الضّرّ من ورم «١»

والصرصري تحدث في مقدمة إحدى مدائحه عن الأماكن المقدسة، ودعا لها بالسّقيا، منتقلا بذلك إلى مدح النبي الكريم، فقال:

سحّت غمائم أنوار المزيد على ... قبابه البيض سحّا دونه السّحب

فهي الشّفاء لأسقامي وساكنها ... هو الحبيب الذي أبغي وأطّلب «٢»

وعند ما يقدم الشاعر لمديحه النبوي بالغزل، فإن مهمة التخلص إلى المديح تصبح


(١) ديوان البوصيري: ص ٢٤٠.
(٢) ديوان الصرصري: ورقة ٨.

<<  <   >  >>