للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمطرب، فالمرقص عندهم هو التشبية الجديد الغريب الذي يبلغ تأثيره في قارئه أو سامعه إلى درجة يدعوه معها إلى الرقص، والمطرب هو التشبيه الذي يبعث في النفس نشوة الطرب، ولا يصل إلى درجة الأول، وإلى الرقص، أما التشبيه الذي لا يصل في تعقيده وغرابته إلى درجة هذين النوعين، فإنه لا يتعدى في نظرهم المسموع أو المتروك «١» .

وعلى الرغم من أن فنون البديع أكثر ما تستخدم في الغزل والوصف، إلا أن شعراء المدح النبوي في هذا العصر أكثروا من هذه الفنون في مدائحهم، وفي وهمهم أنهم يرصعونها بأفضل ما عندهم من محاسن تعبيرية تليق بفن المدائح النبوية، وليتمكنوا من نيل إعجاب الناس، ورضاهم عن هذه المدائح، ولا يستجلب ذلك إلا بفنون البديع.

وزيادة على ذلك فالصنعة البديعية أضحت من أدوات الشاعر في ذلك الوقت، فلا يستطيع نظم قصيدة في أي موضوع، دون أن يدرج فنون البديع في ثناياها، ولذلك حفلت قصائد المديح النبوي بفنون البديع، وثقلت بعضها بتعقيدها، إلى أن ربط المديح النبوي بالبديع، فظهرت البديعيات التي تجمع بين المدح النبوي وبين فنون البديع جميعها مع ذكر أسمائها والتمثيل لها.

ولهذا يعسر على الدارس أن يستقصي فنون البديع في المدائح النبوية كلها، ولا فائدة كبيرة ترجى من بيان المواضع التي استخدمت فيها جميع الأنواع البديعية التي عرفت في ذلك العصر، والتي عرفها البديعيون ومثّلوا لها، لأنها لم تكن منتشرة، وكان تداولها مقتصرا على أصحاب البديعيات أو البديعين الذين اخترعوا أمثلة لفنون بديعية مخترعة، هداهم إليها طول تفكيرهم بمذاهب الكلام وطرقه التعبيرية، وهي لا تزيد في بلاغة اللغة، بل تعقّدها، وتفقد المعبر بها البداهة والاسترسال وأصالة التعبير الذاتي.


(١) ابن سعيد: المرقص والمطلوب ص ٧.

<<  <   >  >>