قطب النّهى غوث العوالم كلّها ... أعلى عليّ ساد أحمد من حمد
روح الوجود حياة من هو واجد ... لولاه ما تمّ الوجود لمن وجد
عيسى وآدم والصّدور جميعهم ... هم أعين هو نورها لمّا ورد
لو أبصر الشّيطان طلعة نوره ... في وجه آدم كان أوّل من سجد «١»
فالحقيقة المحمدية ظاهرة في الأبيات والنبي هو سبب الوجود وهو نور الأنبياء وهداهم، وهو القطب أو غوث العوالم كلها، وهذه كلها معان صوفية لا يني الشعراء المتصوفة يذكرونها في شعرهم. والشاعر هنا يستغرق في عالمه الصوفي، فلا يظهر لنا الفصل بين عالمه المتخيل وبين حقيقة ما يتحدث عنه، لأن الألفاظ عند المتصوفة تستحيل إلى رموز قد تشفّ وقد تستغلق، فلا يفكّها إلا من اتّبع طريقتهم وسار شوطا كبيرا في مدارجهم ورياضتهم الروحية. نصل من ذلك كله إلى أن الشعر الصوفي، تيار قائم بذاته، يعبر عن أحوال المتصوفة وتطلعاتهم وعقائدهم ومواجدهم. وقد جاء ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا الشعر، لأنه شعر ديني، فلا بد من أن يذكر صاحب الدين فيه، ولأن بعض المتصوفة تطلعوا إلى مقام النبوة، ولأن من معتقدهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو القطب الأول للصوفية، وهم ورثته، لكن هذا الذكر ظل متفاوتا ما بين الإشارة الغامضة إلى المديح الصريح، وهذا الذكر لا يدخل الشعر الصوفي ضمن المدائح النبوية، لأنه لم ينظم أصلا من أجل مديح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعند ظهور المدائح النبوية، شارك المتصوفة في هذا الفن الجليل مشاركة واسعة فاعلة، وأثّروا فيه تأثيرا كبيرا، فكانت مقدماتهم الغزلية، وحنينهم إلى المعاهد المقدسة، من الأشياء التي حافظت عليها المدحة النبوية، بالإضافة إلى كثير من أفكارهم واصطلاحاتهم وعباراتهم التي أضحت شائعة متداولة في الشعر العربي عامة، وشعر