فقلت له إن رمت أمنا وعزّة ... فعذ من عوادي النّائبات الكوارث
بأفضل مبعوث إلى خير أمّة ... بخير كتاب جاء من خير باعث «١»
وبعد أن وقف الصرصري على أطلاله المزعومة، التي أذكت شوقه وحنينه على طريقة الشعراء القدامى، تحدث عن رحلته وراحلته التي أوصلته إلى الحجاز، وأوصله الحديث عنها إلى مديحه.
وأخذ شعراء المديح النبوي يستعيضون شيئا فشيئا عن ذكر الأطلال والديار التي درج عليها الشعراء بذكر الأماكن الحجازية، والتشوق إليها، لأنها الأنسب للمديح النبوي، فهذه الأماكن مقدسة عند المسلمين، تهفو إليها أفئدتهم، وهي التي شهدت ولادة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونشأته وبعثته وجهاده وانتقاله إلى جوار ربه، وضمّت جسده الطاهر، فذكرها يوصل إلى ذكر من شرفت به، إضافة إلى أنه يهيّئ المتلقي لسماع المديح النبوي، بعد أن يذكر له هذه الأماكن التي تثير حنينه، وتشيع في نفسه القداسة والصفاء.
وكان شعراء العصر السابق للعصر المملوكي قد فتنوا بالتشوق للأماكن المقدسة، وجعلوه فنا شعريا مستقلا، لما أشاعه المتصوفة في شعرهم من وجد وهيام بهذه الأماكن، وقد وردت معنا أمثلة وافية عند الحديث عن شعر التشوق إلى الأماكن المقدسة. والملفت للنظر في ذكر المقدسات، تغزل شعراء المديح النبوي بالكعبة المشرفة،