للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيد أن معظم قصائد المدح النبوي جاءت قريبة من النمط العربي المعروف، وكانت أقرب إلى المحافظة، فشعراء المديح النبوي نظموا قصائدهم وعيونهم على غرر الشعر العربي في العصور التي سبقتهم، ولذلك نجد المبرزين في فن المدائح النبوية مثل الصرصري ينظمون مدائحهم النبوية على غرار القصائد القديمة في شكلها وصياغتها، فالصرصري لا يكاد يخرج عن النهج التقليدي في مدائحه النبوية، ويظهر استعدادا كبيرا لمتابعة الشعراء الذين سبقوه، ويبدو أنه أهّل نفسه لمثل هذا الشعر، فقيل «إنه كان يحفظ صحاح الجوهري بكاملها» «١» .

ويجاريه البوصيري في هذه الميزة، بالإضافة إلى أن كليهما يظهران معرفة واسعة بالشعر العربي القديم، وباللغة العربية وألفاظها، ويملكان موهبة شعرية فياضة، جعلتهما يخضعان الروايات والأحاديث للشعر وروائه.

ويلاحظ في المديح النبوي أيضا إطالة الشعراء لمدائحهم، فكثرت القصائد التي تتجاوز المئة والمئتين وتصل في بعض الأحيان إلى مئات الأبيات مثل نونية الصرصري التي وصلت إلى ثماني مئة وخمسين بيتا، بيد أن هذه القصائد الطويلة، لم يسلم معظمها للشاعرية، فاقتربت كثيرا من المنظومات التعليمية.

إلا أننا لو قارنا مجموع شعر المديح النبوي مع غيره من الفنون الشعرية في ذلك العصر، لوجدنا أن شعر المديح النبوي تميّز عن غيره بالقوة والجزالة وجودة السبك وحسن الأداء، والابتعاد عن الضعف الذي اتسع في بقية الفنون الآخرى.

والذي جعل شعراء المديح النبوي يميلون في مديحهم إلى الأشكال الشعرية الآخرى مثل الموشح أو الزجل أو تشطير القصائد وتخميسها وغير ذلك من التغييرات التي أجروها على القصيدة، هو مسايرة للاتساع في مجالس الذكر والإنشاد، والبحث عن الشكل الحافل بالإيقاع، ليتلاءم مع الإنشاد في هذه المجالس والاحتفالات الدينية.


(١) القنوشي: التاج المكلل ص ٢٤٧.

<<  <   >  >>