للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالناس في ذلك الوقت كانوا منشغلين بالشعر، يستسهلون نظمه، فكثر المتشاعرون والناظمون، ويظهر أن مفهومهم للشعر كان مختلا، إذ اكتفوا منه بالهيّن الهش، وتقاعسوا عن طلبه والتدرب عليه، وهذا ما أوضحه حازم القرطاجني حين قارن بين أهل زمانه وبين العرب القدماء في قوله:

«العرب القدماء كانت تتعلم الشعر، لا تجد شاعرا مجيدا منهم إلا وقد لزم شاعرا آخر المدة الطويلة، وتعلم منه قوانين النظم، واستفاد منه الدربة في أنحاء التصاريف البلاغية.. فإذا كان أهل ذلك الزمان قد احتاجوا إلى التعلم الطويل، فما ظنك بأهل هذا الزمان، بل أية نسبة بين الفريقين.

وأنت تجد الآن الحريص على أن يكون من أهل الأدب المتصرفين في صوغ قافية أو فقرة من أهل زماننا، وله القليل الغث منه بالكثير من الصعوبة، بأى وشمخ، وظن أنه سامى الفحول وشاركهم، رعونة منه وجهلا، من حيث ظن أن كل كلام موزون شعر» «١» .

أما المدائح النبوية، فكانت فنا متميّزا في الشعر المملوكي، حمل جميع المظاهر الشعرية التي كانت سائدة في ذلك العصر، أو التي ظهرت فيه، وحث الشعراء على الارتقاء في فنهم الشعري إلى أقصى درجة يستطيعون الوصول إليها، ليناسب قدر الممدوح عليه السلام، لكن قسما كبيرا من مادحي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم تسعفهم الشاعرية الخصبة والموهبة الأصلية، فنظموا المدائح النبوية للفوز بالمجد الأدبي في الدنيا، وبالشفاعة في الآخرة، لذلك نجد تفاوتا كبيرا في الأسلوب بين شعراء المديح النبوي، كذلك شارك كثير من العلماء وغيرهم في هذا الفن بالطريقة التي يقدرون عليها ويحسنونها، فظهرت الموشحات المدحية، والزجل المدحي، وغير ذلك من فنون الشعر التي انتشرت في هذا العصر.


(١) حازم القرطاجني: منهاج البلغاء ص ٢٧.

<<  <   >  >>