للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا أن الشعراء لم يحسنوا متابعة القدماء، ولم يستطيعوا اللّحاق بهم لأنهم داخلوا بين النهج القديم وصنعتهم، فجاءت المتابعة في معظمها مهجنة.

وربما كان من أسباب المظاهر السلبية التي وجدت في الشعر المملوكي، مثل الإغراق في الصنعة، وظهور فنون الشعر الملحونة، إعراض الحكام المماليك عن الشعر الفصيح البليغ، لقصور ملكاتهم عن إدراك مقاصد العربية الدقيقة، وأسرار بلاغتها، وميلهم إلى ما يستطيعون إدراكه واستساغته من فنون اللهجة السائدة، وهذا ما عبّر عنه شمس الدين الضفدع «١» :

قد طال فكري في قريضي الذي ... من نفعه لست على طائل

أمّرني زيد فصرت امرأ ... صاحب ديوان بلا حاصل «٢»

ولهذا السبب وغيره من ظروف العصر عدل بعض الشعراء عن الشعر الجاد الذي يجهدون ليأتي عالي المستوى، إلى شعر التسلية الذي يفتقد الجدية في موضوعاته وأسلوبه، والذي يتلاعبون فيه بالمعاني والألفاظ، ويبحثون من خلاله عن النكتة الفنية.

ويضاف إلى ذلك قلّة المحترفين من الشعراء، فقلّما تفرغ الشاعر لفنه، وأوقف حياته علية، فأضحى الشعر بابا مفتوحا يلجه كل من يأنس في نفسه أدنى مقدرة على المشاركة فيه، فدخل فيه العلماء وعامة الشعب وأصحاب الحرف، ومن الطبيعي أن أكثر هؤلاء لم يرتفعوا إلى مستوى المحترفين، فأفسدوا صورة الشعر، حتى ضاق بهم الشعراء المجيدون ذرعا، فهاجموهم، وقال ابن الخياط فيهم «٣» :

وفي متشاعري عصري أناس ... أقلّ صفات شعرهم الجنون

يظنّون القريض قيام وزن ... وقافية وما شاءت تكون «٤»


(١) ابن حجر: الدرر الكامنة ٢/ ٣٠٢.
(٢) الضفدع: محمد بن يوسف بن عبد الله الدمشقي الخياط، شاعر مجيد، توفي (٧٥٦ هـ) . ابن حجر: الدرر الكامنة ٤/ ٣٠٠.
(٣) ابن الخياط الدمشقي: أحمد بن الحسن بن محمد، أديب شاعر، له ديوان شعر، توفي سنة (٧٣٥ هـ) .
(٤) ابن حجر: الدرر الكامنة ١/ ١٢٣.

<<  <   >  >>