وقد وصف الدارسون هذا العصر بالجمود والركود الأدبي، وافتقاد حوافز التجديد والإبداع، وانخفاض سوية الأدب، واستغراق الأدباء في تقليب الصناعة اللفظية والزخارف البديعية.
ونحن لا نستطيع أن نطلق حكما عاما على أدب عصر من العصور، وخاصة على أدب العصر المملوكي، الذي اتّسم بخصب الحركة الثقافية وتنوع إنتاجها، عصر الموسوعات والمؤلفات الكبيرة التي حفظت تراث الأمة. والمسألة لا تتعدى أسلوبا في التعبير يختلف بين عصر وعصر، وليست مسألة إبداع وابتكار، فشعراء ذلك العهد كانت لهم وجهة نظرهم التي تتحدد في طلب التميّز، وكان معيار التميّز في ذلك الوقت إتقان الصنعة، وبذل الجهد العقلي في الملاءمة بين عناصر متباعدة، وفي التلاعب بالألفاظ للدلالة على الثقافة والمقدرة، ولإدهاش المتلقين، فقد كانوا يظنون أنهم يطرفون حياة الناس بهذا الضرب من الشعر، وكان الناس يطلبون هذا الضرب من الشعر ويستحسنونه، لأنه يعبر عن حياتهم وما اعتادوه فيها.
وعند ما تابع شعراء العصر سابقيهم وجاروهم في أسلوبهم، لم يكونوا مفتونين جدا بالقديم، ولم يكونوا يقدسونه لقدمه، بل لظروف موضوعية جدّت في عصرهم، فقد أحس العرب «أن الأمم تريد أن تتخطفهم من حولهم، وأن من واجبهم أن يتجمعوا ضدها، وأن يحافظوا أقوى المحافظة على أمتهم، وكل ما يشخّصها ويمثّلها من شعر وغير شعر، ومن هنا مضوا يضمون شعر الأسلاف إلى صدورهم، لا تقديسا للقديم من أجل قدمه.. وإنما صدروا عن شعور عميق بوجوب استمرار العروبة وروحها العظيمة، وهو بذلك استمرار حي، لا يعني بحال التحجر والجمود، وإنما يعني الخصب والنماء»«١» .