وسنحاول تلمس أبرز ملامح الصياغة الشعرية التي اصطنعها شعراء المديح النبوي، والتي تراوحت ما بين الصياغة التقليدية ومحاولة مجاراة القدماء، والصياغة التي تميّز بها العصر، والتي تحفل بضروب الزخرف والصنعة البديعية، التي نحاول التعرف عليها وعلى أنواعها وكيفية استخدام الشعراء لها.
فالشعراء والأدباء العرب مالوا إلى التقييد والتقعيد في شكل الشعر، ومالوا إلى التقليد، ولم يحبذوا الجنوح إلى الخروج عمّا هو مألوف في طريقة نظم القصائد، وهو ما أسموه عمود الشعر، لذلك ظلت القصيدة العربية غنائية أو أقرب إلى الغنائية، وتلوّنت في هذا الإطار، ولم تخرج عنه إلا في ضروب شعرية ظهرت في هذا العصر، إلا أننا لا نحبّذها لأنها اتخذت اللهجة العامية للتعبير الشعري.
فالتطور في الصناعة الشعرية كان أوضح من التطور في المضمون، إلا أن عصرا من العصور لم يخلص لمذهب أدبي واحد، ولكن ربما انتشر أحد المذاهب أكثر من غيره.
ففي العصر المملوكي ظهر مذهب الصنعة البديعية على غيره، أو اشتد ليسم العصر بميسمه، لكن أدنى متابعة لشعر هذا العصر، تظهر أن ثلاثة اتجاهات رئيسية، كانت تشغل اهتمامات الشعراء، الاتجاه الأول هو الاتجاه التقليدي الذي حرص فيه الشعراء على متابعة القدماء والاقتداء بهم في شكل القصيدة وصياغتها، فأكثروا من المعارضة لتتم لهم هذه المتابعة، وتتحقق لهم هذه الرغبة.
والاتجاه الثاني هو الاتجاه البديعي السائد الذي حرص فيه الشعراء على اصطناع ضروب البديع، ووضعها في المقام الأول في العمل الشعري.
والاتجاه الثالث هو الاتجاه الشعبي، وأصحابه شعراء لم يتلقوا قدرا كافيا من الثقافة، أو أنهم نظموا شعرهم على هذا الوجه لافتتانهم به، أو طلبا للشهرة والانتشار وهو شعر ملحون.