للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم من يقول: إنه مشتق من الصفاء، أساس عقيدتهم القائمة على الصفاء الروحي في علاقتهم مع خالقهم.

وحين رأى المتصوفة ما يتقوّل به الناس عليهم، انبرى بعضهم لتصحيح الفكرة الخاطئة عنهم، وأعادوا طريقتهم إلى أصولها الإسلامية، وأوضحوا أنها خلاصة العبادة المفروضة على المسلمين، وقالوا: «التصوف علم انقدح في قلوب الأولياء، حين استنارت بالعمل بالكتاب والسنة، وهو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة» «١» .

فهم يؤكدون أنهم يعملون بروح الشريعة لا ظاهرها، ولذلك لا يقدّر من لا يرى رأيهم ما يفعلونه، وقد لا يفهم ما يقولونه، فيفسره تفسيرا بعيدا عن المقصود منه، ولهذا أوضح كتّابهم أن «طريق القوم مشيّدة بالكتاب والسنة، وأنها مبنية على سلوك أخلاق الأنبياء والأصفياء، وبيان أنها لا تكون مذمومة إلا إن خالفت صريح القرآن أو السنة أو الإجماع لا غير» «٢» .

لكن ذلك كله لم يذهب الشكوك عن المتصوفة، وظل الفقهاء المتشددون يهاجمونهم، وينظرون إليهم بريبة، بسبب تصرفاتهم، وبسبب ما ينسبونه لأنفسهم من كرامات، مما جعل إحدى فرقهم وهي الملاماتية، تدعو إلى ستر كرامات الأولياء، وهذه الفرقة قامت طريقتها على لوم النفس وإساءة الظن بها لكشف خباياها، ولذلك داوى أتباعها ميل النفس إلى المعاصي بالإعراض عنها، وتأديبها بمخالفتها. وقد فرقت هذه الفرقة بين كرامة الولي ومعجزة النبي حتى لا يساء الظن بالمتصوفة، وذهبت إلى أن «الرسل مضطرون إلى الظهور بمعجزاتهم، لكي تتأيد بها دعواهم، ويتيسر بها سبيلهم إلى تبليغ رسالاتهم، أما الأولياء، فليسوا في حاجة إلى هذا التأييد.. ولهذا كان ظهور النبي بالمعجزة كمالا وظهور الولي بالكرامة نقصا» «٣» .


(١) الشعراني: لواقح الأنوار ١/ ٥.
(٢) المصدر نفسه: ١/ ٤.
(٣) عفيفي، أبو العلاء: الملاماتية والصوفية ص ٦٤.

<<  <   >  >>