للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيالك من ريح إذا هبّ نفحها ... يزيد الذي في القلب من شدّة الوقد

تخبّر أخبار الغرام عن الحمى ... وتسنده نقلا عن البارق النّجدي

لها أسانيد المحبّة شاهد ... صحيح بما يرويه في الحبّ عن هند «١»

فنحن نرى حبا ونرى وجدا، ونرى شوقا، ولكنّا لا نعرف لمن هذا الحب وهذا الشوق، وبمن هذا الوجد وقد اصطلح القوم على أن مثل هذا الشعر، هو مواجد إلهية، وحنين إلى الصفاء الإلهي، وإلا فبماذا نفسر قول ابن بهادر القرشي «٢» ، الذي يطفح بالعاطفة الجياشة والحنين المتوقد:

رأي عقلي ولبّي فيه حارا ... فأضرم في صميم القلب نارا

وخلّاني أبيت اللّيل ملقى ... على الأعتاب أحسبه نهارا

فيا لله من وجد تولّى ... على قلبي فأعدمه القرارا

ومن حبّ تقادم فيه عهدي ... فأورثني عناء وانكسارا

ألا يا لائمي دعني فإنّي ... رأيت الموت حجّا واعتمارا «٣»

ويظهر من ختام الأبيات أن غزل الشاعر وحنينه ليس موجها إلى حبيبة بعينها، وليس بقصد به إنسانة يعرفها الشاعر ويحبها، وإنما هو غزل غير متعين، ربما كان في الكعبة المشرفة، كما انتشر بعد ذلك بين الشعراء.

ويبدو أن طريقة المتصوفة هذه في غزلهم، كانت تواجه شكوكا واستهجانا


(١) ابن الفوطي: تلخيص مجمع الآداب ٣/ ٢٨.
(٢) ابن بهادر: محمد بن محمد بن محمد، مؤرخ من فضلاء الشافعية، له كتاب (فتوح النصر في تاريخ ملوك مصر) ، توفي سنة (٨٧٧ هـ) . السخاوي: الضوء اللامع ٩/ ٢٠٩.
(٣) ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ١٤/ ١٢٦.

<<  <   >  >>