المدحة النبوية إن المديح النبوي في العصر المملوكي قد أضحى فنا شعريا مستقلا، له أصوله وقواعده، وله شعراؤه الذين وقفوا شعرهم عليه، وله مريدوه وسامعوه الذين انفعلوا به، فكان سميرهم في مجالس العلم والشعر، وحلقات الدرس والذكر، وكان وسيلة للتعبير عن مشاعرهم وآلامهم وآمالهم، ولطلب الراحة والطمأنينة لنفوسهم المضطربة القلقة، بسبب الهزات العنيفة التي تعرض لها المجتمع العربي الإسلامي على أكثر من صعيد.
وكانت المدائح النبوية تعكس رغبة الناس في الخلاص والصفاء؛ لأن العرب المسلمين كانوا وما زالوا ينظرون إلى العصور الإسلامية الأولى على أنها المثل الأعلى للحياة الحقة، التي تعطي للإنسان قيمته الإنسانية، وتجعله يعيش حرا كريما عزيزا، يشعر بمعنى الحياة، ويحس أنه يعيش من أجل هدف سام يريد الوصول إليه.
وتعكس كذلك شوقهم إلى المثل الأعلى والبطولة الفذة والفضائل السامية التي تجسدت في شخصية الرسول الكريم. فكانت المدائح النبوية على هذا الانتشار وعلى هذه الفاعلية، وعلى هذا التقدير، لذلك احتفل لها شعراؤها أيّما احتفال.
والمدحة النبوية تعني أنها قصيدة مدح، لذلك فهي ترتبط بفن المدح الذي عرفه العرب منذ وقت مبكر من تاريخهم، ووصل إلينا مع وصول الشعر العربي في بداياته، لذا فهي لا تخرج في نهجها العام عن قصائد المديح في الشعر العربي، وعن الطريقة التي مدح بها الشعراء.