للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ظهر هذا الجدال في الشعر، وخاصة عند البوصيري «١» الذي لم تخل نبوية له من مجادلة النصارى واليهود في عقائدهم، والمقارنة بينها وبين العقيدة الإسلامية ونظم ذلك في قصيدة طويلة، شرحها بنفسه، سمّاها (المخرج والمردود على النصارى واليهود) أبدى فيها معرفته الواسعة بالتوراة والإنجيل، ومطالعته لكتب النصارى واليهود، والتمعن فيها، ومنها قوله عمّا جاء فيهما من إشارات تدلّ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

تخبركم التوراة أن قد بشّرت ... قدما بأحمد أم بإسماعيلا

طوبى لموسى حين بشّر باسمه ... ولسامع من فضله ما قيلا

وجبال فاران الرّواسي إنّها ... نالت على الدّنيا به التّفضيلا

إن يدعه الإنجيل فارقليطه ... فلقد دعاه قبل ذلك إيلا

يأتي على اسم الله منه مبارك ... ما كان موعد بعثه ممطولا

وكما شهدت له سيشهد لي إذا ... صار العليم بما أتيت جهولا

والمنحمّنا لا تشكّوا إن أتى ... لكم فليس مجيئه مجهولا «٢»

ثم ينتقل ليثبت نبوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما يعتقده المسلمون بعد ما أثبت ذلك بما جاء في التوراة والإنجيل ليخلص إلى أن تخرّصات أهل الكتاب حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليست عائدة إلى أمور دينية وإنما إلى أمور سياسية وأحقاد قديمة، إذ استطاع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينتصر عليهم، ويظهر انحرافهم عن حقيقة الشريعة السماوية، فقال:

لم يجهلوه غير أنّ سيوفه ... أبقت حقودا عندهم وذحولا

ما لي أجادل فيه كلّ أخي عمىّ ... كيما أقيم على النّهار دليلا


(١) البوصيري: محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي، أشهر شعراء المديح النبوي، كان متصوفا وشاعرا منطلق اللسان في عمال الدولة، تولى الحسبة، وتوفي سنة (٦٩٦ هـ) ، ديوانه: ص ٥.
(٢) ديوان البوصيري ص ١٨٢.

<<  <   >  >>