للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتلاه مسلم الذي خضعت له ... في الحفظ أعناق الرّجال وسلّموا «١»

في حين نجد المتصوفة يشيدون بمذهبهم، وبرجال التصوف وأقطابه، حتى إن عائشة الباعونية افتتحت إحدى مدائحها النبوية بالإشادة الحارّة بشيوخها، وأظهرت تعلّقها بهم، فقالت:

ومذهبي في الهوى ألاأحول ولا ... ألوي عناني لحيّ غير حيّهم

هم كعبتي حيث ما وجّهت يشهدهم ... قلبي وينظرهم سرّي بنورهم «٢»

وإذا كان شعراء المديح النبوي قد عبّروا عما يدور في عصرهم من قضايا دينية، فإنهم استنجدوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الكوارث والمصائب التي حدثت في أيامهم، وقد مرّت معنا أمثلة وافية على ذلك وعلى ما كان يعانيه الناس من الكوارث والحروب والمظالم، فظهر أثر ذلك كله في المدائح النبوية، وربما كان تبرّم الناس بأحوالهم القاسية، وضيقهم الشديد من الظروف السيئة التي تكربهم، وراء الاتساع في نظم المدائح النبوية، فإذا ما أصاب القوم مصيبة، توجهوا إلى النبي الكريم، يمدحونه ويستغيثون به، مثل استغاثة النواجي في مدحة نبوية من وباء الطاعون في قوله:

وانظر لأمّتك القوم الضّعاف فقد ... عمّ البلاء وزاد الويل والحرب

من وخز طاعون جلّ، فيه كم طعنوا ... بالجرح عدلا وللأرواح قد سلبوا «٣»

بيد أن الهمّ الشخصي كان له وجود في قصائد المديح النبوي إلى جانب الهمّ الجماعي، فالشعراء كان يشيرون إلى حوادث خاصة جرت لهم، وعانوا منها، وظلت


(١) المجموعة النبهانية: ٤/ ١٠٩.
(٢) ديوان عائشة الباعونية، ورقة ١٠.
(٣) المجموعة النبهانية: ١/ ٤٦٥.

<<  <   >  >>