للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني «١»

فاتسع بعض شعراء المديح النبوي في أخذ المعاني من الشعر القديم، ووضعها في سياق المدحة النبوية، مع المحافظة على التعبير الأصلي، أو تغيير ترتيب الجمل.

والطريف من المدائح النبوية في هذا الباب، ما نظمه بعض شعراء المديح النبوي، حين شطروا قصائد قديمة مشهورة، مثل قصائد امرئ القيس، ومنها مدحة نبوية لحازم القرطاجني «٢» ، أخذ فيها معلقة امرئ القيس، وشطرها، فجعل كل بيت من القصيدة يحوي شطرا من أبيات قصيدة امرئ القيس، على هذا النحو:

لعينيك قل إن زرت أفضل مرسل ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

وفي طيبة فانزل ولا تغش منزلا ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل «٣»

وتمضي مدحته النبوية على هذا النحو، يجهد الشاعر عقله في الملاءمة بين المعنى القديم وما يمكن أن يصير إليه عند إتمامه وتضمينه ونقله إلى المديح النبوي، فصرف المعاني القديمة الوصفية والغزلية في قصيدة امرئ القيس يحتاج إلى مقدرة وصناعة وحذق وتفكير أكثر من الشاعرية.

وزيادة على التظارف وإظهار المقدرة الفنية والعقلية، اتكأ الشعراء هنا على الشعر القديم، فأخذوا منه المعنى والوزن والقافية.

وقد عد أدباء ذلك العصر هذه الطريقة في نظم المدائح النبوية من دواعي بروز الشاعر، واشتهاره بالمقدرة على المواءمة، لذلك أظهر ابن حجة الحموي في خزانته


(١) الأصمعيات: ص ١٧.
(٢) حازم بن محمد بن حسين الأندلسي، نزل تونس، شاعر لغوي بلاغي له مصنفات، توفي سنة (٦٨٤ هـ) . ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب ٥/ ٣٨٧.
(٣) المقري: أزهار الرياض ٣/ ١٧٨.

<<  <   >  >>