للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدرك الظروف التي ينظم فيها الشعراء شعرهم، ففي ذلك الوقت كان الغزل يقتضي وصف محاسن المحبوبة، وهذا ما فعله كعب حين قدّم لقصيدته بقوله:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم إثرها لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البيّن إذ رحلوا ... إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحول

هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... لا يشتكى قصر منها ولا طول «١»

إن الغزل الذي قدّم به الشعراء لمدائحهم النبوية، وتابعوا فيه كعب بن زهير- رضي الله عنه- هو تقليد شعري محض، مثل تقليد ابن هتيمل «٢» الذي نظم مدحة نبوية نهج في أسلوبها ومعانيها منهج القدماء، وهذا كان أسلوبه في شعره كله، فلا غرابة حين نجده في مقدمة مدحته النبوية يذكر الأطلال ويتغزل، ويصف محبوبته بالأوصاف نفسها التي ذكرها القدماء، وكأن الأمر لا يعدو صورة شعرية تتكرر، وليست تجارب عاطفية، أو أوصافا لمحبوبة يعرفها، ويعرف مواطن الجمال فيها، ويطلع على مفاتنها، لذلك نجد مقدمته لمدحته النبوية تسير كالتالي:

لولا محبّة أهل الدّار والدّار ... ما غاض صبري وجفني ماؤه الجاري

ولا عكفت وأصحابي تعنّفني ... على العكوف على نؤي وأحجار

أستودع الله أرواحا رحلن بها ... عنّا المهابين أحداج وأكوار


(١) ديوان كعب بن زهير: ص ٩.
(٢) ابن هتيمل: القاسم بن علي، أصله من جنوب الجزيرة العربية، استقر في مكة يمدح أمراءها، وهو عربي الأرومة من خزاعة، توفي سنة (٦٥٦ هـ) . مقدمة ديوانه.

<<  <   >  >>