للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

كأنّه بيت شعر في عروض جفا ... مقطّع عملت فيه التّفاعيل «١»

وقول ابن ظهيرة القرشي «٢» :

بسيط حبّي فيهم وافر وكذا ... سريع دمعي على الخدّين مطلول

وكامل الوجد لا ينفكّ في رمل ... طويله لمديد القطع مشكول «٣»

والأمثلة على ذلك كثيرة، تبيّن استظهار شعراء المدائح النبوية لعلم العروض، ودراستهم له، ومعرفتهم بأسراره ومصطلحاته، فلم يعد الشعر يقال على السليقة، وإنما تدرس العلوم التي تحكم مكوّناته، من لغة ونحو وعروض وبلاغة، ولذلك نظم العلماء الشعر، ومن لم يؤت موهبة شعرية، لأنه درس العروض، واستطاع إقامة أوزانه، ولهذا قيل آنذاك في هؤلاء الذين يكتفون في نظمهم بعنصر الوزن فقط:

إن كنت لا تدري سوى الوزن وحده ... فقل أنت وزّان وما أنت شاعر «٤»

إن استخدام شعراء المدح النبوي للأوزان الشعرية المعروفة لم يخرج عمّا تواضع عليه شعراء العرب، إلا أنهم كانوا يتفاوتون في إظهار إيقاع الأوزان الشعرية وطاقاتها الموسيقية، بسبب أسلوب كل شاعر ومقدرته الفنية، فبعض الشعراء كانوا ينظمون الأحاديث والروايات، فلا يكاد الوزن يستبين، لولا التشطير والقافية، مثل بعض مقاطع البوصيري التي ينظم فيها السيرة، أو يجادل في مسألة دينية، ومنها قوله في همزيته:

يا لأمر أتاه بعد هشام ... زمعة إنّه الفتى الأتّاء


(١) المجموعة النبهانية: ٣/ ١٤٧.
(٢) ابن ظهيرة القرشي: محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي المكي، فقيه محدث مشارك في فنون العلم، انتهت إليه رياسة الشافعية ببلده، ولقّب عالم الحجاز، توفي سنة (٨١٧ هـ) . السخاوي: الضوء اللامع ٨/ ٩٢.
(٣) المصدر نفسه: ٣/ ١٣٩.
(٤) ابن حجة: خزانة الأدب ص ٣٤٨.

<<  <   >  >>