وإذا نظرنا إلى مشاركة الشعراء الكبار في العصر المملوكي، والذي عرفوا بولعهم بفنون البديع، وجدنا شعرهم حافلا بضروب الصنعة التي تثقل أحيانا، لكنهم ظلوا محافظين على وضوح المعنى بشكل عام، وظل ظلّ الصنعة قاصرا على أبيات بعينها، ولم يغط القصيدة كلها.
ومن أمثلة هذا الأسلوب المتصنع قول ابن نباتة في مدحة نبوية:
ولي سعاد شجون ما يغبّ لها ... إما خيال وإلا فهو تخييل
أبكي اشتياقا إليها وهي قاتلني ... يا من رأى قاتلا يبكيه مقتول
مسكيّة الخال أمّا ورد وجنتها ... فبالجنى من عيون النّاس مبلول
مصحّح النّقل عن شهد وعن برد ... لأنه منهل بالرّاح معلول «١»
فالصنعة هنا هي هاجس الشاعر، وهو يفكر في مدح سيد الخلق، أو أنه استحضر هذه الصنعة عند مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ظانا أنه يحسن عملا، فيصطنع ألفاظ البديع، ويضمّن شعر القدماء، ويستخدم مصطلحات العلوم وغير ذلك من الأمور التي رآها ورآها معاصروه فنا عظيما، وإثباتا لمقدرة الشاعر البلاغية أو البديعية.
ولننظر كيف يتلاعب بالألفاظ في مدحة نبوية ثانية، فيقول:
شجون نحوها العشّاق فاؤوا ... وصب ماله في الصّبر رآء