للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلّ بيت حكى بيت العروض له ... بالبيض والسّمر تقطيع وتفصيل

وداخلت بالرّدى أجزاءه علل ... غدا المرفّل منها وهو مجزول

كأنّهم في محاريب ملائكة ... وفي حروب أعاديهم رآبيل «١»

فهنا نرى مدى احتفال البوصيري بالتشبيه، في البيت الأول شبّه تواصل الأماني بحبل، والحبل مربوط بالزور، ليدل على استمرار هذه الأماني وتتابعها دون انقطاع، وهذه الأماني هي التي تجعل الإنسان في غفلة عن الطاعة، لذلك يطلب الشاعر من الغافل أن يقطع حبل الأماني، وأن يتوقف عن تعلقه بزخارف الدنيا. وهذا التشبيه أعطى المعنى وضوحا وقوة، وقرّبه إلى ذهن السامع، حين شبه المعقول بالمحسوس.

وفي البيت الثاني شبه الأرواح بالنجوم، ليعرف المتلقي من حركة النجوم وغيابها كيف تتحرك الأرواح وترحل وزاد في طرافة الصورة وجمالها أن النجوم تلمع وتخفق في فضاء رحب، وتكتنفها الأسرار في سيرها وظهورها واختفائها، لا يعلم حركتها غير مدبر الكون وخالق الأرواح، والتي هي من أمر الله تعالى.

وفي الأبيات الثلاثة التالية، وصف البوصيري معارك المسلمين، وما حل بالمشركين بعدها، فقد قطعت أوصالهم وتبعثرت، وتخرمت بيوتهم المنون، فشبه ذلك كله بالكتابة الغامضة المحتاجة إلى إعجام، فرفع غموضها بالتنقيط والشكل، وهنا نقلنا إلى مصطلحات الكتابة، مستعينا بها على تكوين صورة فنية، يوضع خلالها الحال التي كانت عليها جثث المشركين في أرض المعركة، ولكن كيف يفهم الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة هذه الصورة، وكيف يتخيلها؟

البوصيري يريد مجاراة أهل عصره، وإظهار مقدرته على إطرافهم، ولذلك حين يتابع ليظهر أثر هذه المعارك على بيوتات قريش، يربط بين البيت وهو العائلة هنا وبين


(١) ديوان البوصيري ص ٢٢٠.

<<  <   >  >>