للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك فهم آخر للرثاء يذهب إلى أنه «تطور عن تعويذات كانت تقال للميت، وعلى قبره، حتى يطمئن في لحده، وبمر الزمن تطور الرثاء عندهم إلى تصوير حزنهم العميق إزاء ما أصابهم فيه الزمن في فقيدهم» «١» .

وإذا وجدنا ضربا من الرثاء يشيد بفضائل الميت وصفاته، فهو إما أن يكون وليد حزن ولوعة، تحيل الماضي إلى حقيقة ماثلة أمام عين الشاعر.. وإما أن يكون ذلك الرثاء سردا لصفات الفقيد فقط، دون أن يلمس جانب الحزن واللوعة في نفس الشاعر، وهو بذلك قد يقترب من المديح، ولكنه يبتعد عن أصالة الرثاء الحقيقي «٢» .

وقد فصّل الدارسون في طبيعة الرثاء، وقسّموه إلى ثلاثة أقسام، هي الندب والتأبين والعزاء الذي هو الصبر، فالندب هو «بكاء الأهل والأقارب حين يعصف بهم الموت» «٣» .

والشاعر ينظم قصائد يبثها لوعة قلبه وحرقته على موت بعض أهله، العزيزين على قلبه، وربما ندب الشاعر غير أهله. إذا كانوا ينزلون منه منزلة النفس والأهل، ومن ذلك ندب فاطمة- رضي الله عنها- لأبيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقولها:

اغبرّ آفاق السّماء وكوّرت ... شمس النّهار وأظلم العصران «٤»

وقول صفيّة بنت عبد المطلب عمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ندبه:

عين جودي بدمعة تسكاب ... للنّبيّ المطهّر الأوّاب

واندبي المصطفى فعمّي وخصّي ... بدموع غزيرة الأسراب


(١) السلطي، د. عبد الحفيظ: ديوان أمية بن أبي السلط ص ٢٧٥.
(٢) المصدر نفسه: ٢٥٨.
(٣) ضيف، شوقي: الرثاء ص ٥.
(٤) ابن رشيق: العمدة ٢/ ١٥٣.

<<  <   >  >>