للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن موقف الإسلام من الشعر، ليس موقفا معاديا ومكرّها، إنه موقف التصحيح لمفهوم الشعر وأثره، والدليل على ذلك مواقف الرسول صلّى الله عليه وسلّم من الشعر والشعراء، وهذا الشعر الذي مدح به، فقد كان يستنشد الصحابة الشعر، ويستعيد ما يستحسنه منه، ويبدي إعجابه ببعضه.

فقد كان عصر البعثة، عصر صراع بين القيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام، وبين القيم الجاهلية الفاسدة، لكن الإسلام أبقى على كثير من القيم الجاهلية، وأعطاها مفهوما جديدا، ودلالات أعمق، لأنه يريد بناء مجتمع جديد، وأمة جديدة، تختفي منها القيم التي تفكك المجتمع أو تفسده، أو تنتقص من إنسانية الإنسان، وكان بناء العقيدة الجديدة في داخل النفس والمجتمع يقتضي أن يصحح الشعر الذي يؤثر في النفس والمجتمع.

ومما قيل عن الشعر في عصر البعثة، أنه ضعف ولان عما كان عليه في الجاهلية، لأنه التزم الصدق، فالشعر يعتمد على التخيّل الكاذب، فإذا دخل في باب الخير لان، وقد ظلت هذه الفكرة موضع أخذ ورد بين النقاد القدامى والمحدثين، فقد لاحظ المتتبعون للحركة الشعرية في عصر البعثة اضطراب الشعر وتردده بين مد وجزر، وإضراب بعض شعراء الجاهلية عن نظم الشعر في الإسلام، أو التقليل منه، واضطرار الشعراء إلى قول ما يتوافق مع الإسلام، وهذا ما جعل الشعر الذي وصل من عصر البعثة أقل من الشعر الجاهلي، وأقل من الشعر الأموي الذي عاد إلى الطبيعة الجاهلية، وخاصة إذا عرفنا أن الإسلام حرم الشعراء من دوافع الشعر التي تدفعهم إلى الإكثار والإجادة وعوّضهم بدوافع أسمى، لكن تمثّل القيم الجديدة والوضع الجديد يحتاج إلى زمن طويل، تقصّر عنه مدة البعثة الوجيزة، إضافة إلى أن المسلمين انشغلوا بحركة الجهاد ومقاومة المشركين، فلم يكن أمامهم متسع للوقوف طويلا عند الشعر وتجويده، وقد حرصوا في مدة إرساء الدعوة على الفعل أكثر من القول بالإضافة إلى وجود القرآن الكريم الذي أعجز العرب وألجمهم، وجعلهم مشدوهين أمام بلاغته، فاتجهوا إليه،

<<  <   >  >>