ومن التناقض الظاهر في أحكام هؤلاء الدارسين أنهم وسموا العصر المملوكي بأنه عصر انحطاط، وأن وسائل التعبير فيه عاجزة قاصرة، يفتقر إلى الأديب الكبير والشاعر العظيم، وإلى جانب ذلك ازدهر فن العمارة، واتسعت دائرة الفنون الزخرفية، وشهد ظهور الموسوعات الكبيرة، والمؤلفات العظيمة في حقول المعرفة المختلفة، ولا ندري كيف استقامت لهم هذه الأحكام المتناقضة.
لكن سرعان ما تصدى الباحثون المخلصون للتراث العربي، والحريصون على إظهار حقائقه، لمثل هذه الآراء، فأشادوا بهذا العصر ذي الأثر العظيم، وبما أنجزته أمتنا خلاله في مناحي الحياة المختلفة.
وقد تعود قلة الاهتمام بالعصر المملوكي وأدبه- كما قيل- إلى أن الباحثين توجهوا في دراساتهم إلى عصور الإسلام الأولى التي شهدت قيام الدولة العربية الإسلامية وفتوحاتها، وازدهار حضارتها، حتى إذا وصلوا إلى العصر المملوكي فترت همّتهم، واكتفوا بما أشيع حول هذا العصر من آراء، ورددوا ما أطلق عليه من أحكام.
والذي أشيع عن الأدب المملوكي، أنه أدب الزينة الثقيلة والألاعيب اللفظية، وأنه خلا من الإبداع، وقد يكون في هذا شيء من الصحة، لكنه لا ينطبق على الأدب المملوكي كله، والشعر منه خاصة، ففيه ما هو جيد، وفيه ما هو غير ذلك، وهذه ميزة عصور الأدب جميعها، بل هي ميزة كل شاعر، وربما زادت نسبة الشعر الذي لم يرق للدارسين في هذا العصر عن غيرها في العصور السابقة، وكان هذا الشعر مقبولا عند أهله، وليس لنا أن نحاكمه بغير حكمهم، وليس لنا أن نهمله لأنه لم يجد قبولا في أنفسنا، فالناس كانوا يقبلون على شعر عصرهم ويستسيغونه، ويتذاكرونه وينفعلون به.
إن الغبن الذي لحق بالأدب المملوكي، وسوء الحكم عليه، جعلني أبحث عن