وفي فصل آخر: قد كان يجب ألّا أشكو حالي مع علمك بها، ولا أقتضيك عمارتها بأكثر من قدرتك عليها؛ فلربّما نيل الغنى على يدي من هو دونك بأدنى من حرمتي. وما أستصغر ما كان منك إلا عنك، ولا أستقلّه إلا لك.
وقال آخر: إن رأيت أن تصفّد يدا «١» بصنيعة باق ذكرها جميل في الدهر أثرها، تغتنم غرّة الزمان «٢» فيها وتبادر فوت الإمكان بها، فافعل.
قدم على زياد «٣» نفر من الأعراب فقام خطيبهم فقال: أصلح الله الأمير! نحن، وإن كانت نزعت بنا أنفسنا إليك وأنضينا «٤» ركائبنا نحوك التماسا لفضل عطائك، عالمون بأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع؛ وإنما أنت ايّها الأمير خازن ونحن رائدون، فإن أذن لك فأعطيت حمدنا الله وشكرناك، وإن لم يؤذن لك فمنعت حمدنا الله وعذرناك، ثم جلس؛ فقال زياد لجلسائه:
تالله ما رأيت كلاما أبلغ ولا أوجز ولا أنفع عاجلة منه، ثم أمر لهم بما يصلحهم.
دخل العتّابيّ على المأمون، فقال له المأمون: خبّرت بوفاتك فغمّتني، ثم جاءتني وفادتك فسرتني؛ فقال العتابيّ: لو قسمت هذه الكلمات على أهل الأرض لوسعتهم؛ وذلك أنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك؛ قال: سلني، قال: يداك بالعطيّة أطلق من لساني.