عليه قلبك وعملته جوارحك ونظر إليه بصرك واجترحته يداك ومشت إليه رجلاك، هل يغني عنك ما شححت عليه من ملك الدنيا إذا انتزعه من يدك ودعاك إلى الحساب؟ فبكى المنصور وقال: يا ليتني لم أخلق! ويحك! فكيف أحتال لنفسي؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنّ للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم ويرضون بهم فاجعلهم بطانتك يرشدوك، وشاورهم في أمرك يسدّدوك، قال: قد بعثت إليهم فهربوا مني، قال: خافوا أن تحملهم على طريقتك ولكن افتح بابك وسهّل حجابك وانصر المظلوم واقمع الظالم وخذ الفيء والصدقات مما حلّ وطاب واقسمه بالحقّ والعدل على أهله وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويسعدوك على صلاح الأمة. وجاء المؤذنون فسلموا عليه فضلى وعاد إلى مجلسه وطلب الرجل فلم يوجد.
[مقام آخر والمنصور يخطب]
خطب المنصور بحمد الله ومضى في كلامه، فلما انتهى إلى أشهد أن لا إله إلا الله وثب رجل من أقصى المسجد فقال أذكّرك من تذكر، فقال المنصور: سمعا لمن فهم عن الله وذكّر به وأعوذ بالله أن أكون جبّارا عصيّا وأن تأخذني العزة بالإثم لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، وأنت والله أيها القائل ما أردت بها الله ولكن حاولت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، وأهون بقائلها لو هممت، فاهتبلها «١» ويلك إذ عفوت؛ وآياكم معشر الناس وأختها؛ فإن الموعظة علينا نزلت ومن عندنا انبثّت فردّوا الأمر إلى أهله يصدروه كما أوردوه؛ ثم رجع إلى خطبته فقال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.