حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال:
إنّ أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك. فرفع الناس رؤوسهم؛ فقال: ما لكم يا معشر الناس! إنّكم لطعّانون عجلون، إنّ الملك إذا ملك زهّده الله فيما في يده، ورغّبه فيما في يدي غيره، وانتقصه شطر أجله، وأشرب قلبه الإشفاق، فهو يحسد على القليل، ويتسخّط الكثير، ويسأم الرخاء، وتنقطع عنه لذّة البهاء «٢» ، لا يستعمل العبرة ولا يسكن إلى الثقة، فهو كالدرهم القسيّ «٣» والسّراب الخادع، جذل الظاهر، حزين الباطن، فإذا وجبت نفسه ونضب عمره وضحا ظلّه «٤» ، حاسبه الله فأشدّ حسابه وأقلّ عفوه. ألا إنّ الفقراء هم المرحومون، وخير الملوك من آمن بالله، وحكم بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم.
وإنكم اليوم على خلافة نبوّة، ومفرق محجّة، وسترون بعدي ملكا عضوضا، وأمّة شعاعا، ودما مفاحا «٥» . فإن كانت للباطل نزوة، ولأهل الحق جولة؛ يعفو لها الأثر، وتموت السّنن، فالزموا المساجد، واستشيروا القرآن، والزموا الجماعة.
وليكن الإبرام بعد التشاور، والصّفقة بعد طول التناظر، أي بلادكم «٦» خرسة فإن