للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطبة «١» لمعاوية رحمه الله

بلغني عن شعيب بن صفوان قال: خطب معاوية فقال:

أيها الناس، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن شديد، يعدّ فيه المحسن مسيئا، ويزداد الظالم فيه عتوّا، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عمّا جهلنا، ولا نتخوّف قارعة حتى تحلّ بنا. فالناس أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلال حدّه ونضيض وفره «٢» ؛ ومنهم المصلت لسيفه والمجلب بخيله ورجله والمعلن بشرّه، قد أشرط «٣» نفسه وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب «٤» يقوده أو منبر يفرعه «٥» ، ولبئس المتجران تراهما لنفسك ثمنا ومما عند الله عوضا. ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا قد طامن «٦» من شخصه وقارب من خطوه، وشمّر من ثوبه، وزخرف نفسه للأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية. ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضؤولة «٧» في نفسه وانقطاع من سببه، فقصّر به الحال عن أمله، فتحلّى باسم القناعة وتزيّن بلباس الزّهّاد، وليس من ذلك في مراح ولا مغدى. وبقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر فهم بين شريد

<<  <  ج: ص:  >  >>