فوقنا في السنّ والمعرفة وعن جلسائنا وإخواننا ومن كتب الأعاجم وسيرهم وبلاغات الكتّاب في فصول من كتبهم وعمّن هو دوننا غير مستنكفين أن نأخذ عن الحديث سنّا لحداثته ولا عن الصغير قدرا لخساسته ولا عن الأمة الوكعاء لجهلها فضلا عن غيرها، فإن العلم ضالّة المؤمن من حيث أخذه نفعه، ولن يزري بالحق أن تسمعه من المشركين ولا بالنصيحة أن تستنبط من الكاشحين، ولا تضير الحسناء أطمارها ولا بنات الأصداف أصدافها ولا الذهب الإبريز مخرجه من كبا «١» ، ومن ترك أخذ الحسن من موضعه أضاع الفرصة، والفرص تمرّمرّ السّحاب.
حدثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن سليمان بن معاذ عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: «خذوا الحكمة ممن سمعتموها منه، فإنه قد يقول الحكمة غير الحكيم وتكون الرّمية من غير الرامي» . وهذا يكون في مثل كتابنا لأنه في آداب ومحاسن أقوام ومقابح أقوام والحسن لا يلتبس بالقبيح ولا يخفى على من سمعه من حيث كان. فأما علم الدين والحلال والحرام فإنما هو استعباد وتقليد ولا يجوز أن تأخذه إلا عمّن تراه لك حجة ولا تقدح في صدرك منه الشكوك، وكذلك مذهبنا فيما نختاره من كلام المتأخرين وأشعار المحدثين إذا كان متخيّر اللفظ لطيف المعنى لم يزّر به عندنا تأخر قائله كما أنه إذا كان بخلاف ذلك لم يرفعه تقدّمه فكل قديم حديث في عصره وكل شرف فأوّله خارجيّه، ومن شأن عوامّ الناس رفع المعدوم ووضع الموجود ورفض المبذول وحب الممنوع وتعظيم المتقدّم وغفران زلته وبخس المتأخر والتجنّي عليه، والعاقل منهم ينظر بعين العدل لا بعين الرضا ويزن الأمور بالقسطاس المستقيم.