لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود
لولا التّخوّف للعواقب لم تزل ... للحاسد النّعمى على المحسود
وقال عبد الملك للحجاج: إنه ليس من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه فعب نفسك قال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتفعلنّ. قال: أنا لجوج حقود حسود، قال عبد الملك: ما في الشيطان شرّ مما ذكرت. قال بعض الحكماء: الحسد من تعادي الطبائع واحتلاف التركيب وفساد مزاج البنية وضعف عقد العقل والحاسد طويل الحسرات.
قال ابن المقفع: أقلّ ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذابا ليس بمدرك به حظّا ولا غائظ به عدوّا، فإنا لم نر ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد، طول أسف ومحالفة كآبة وشدّة تحرّق، ولا يبرح زاريا على نعمة الله ولا يجد لها مزالا ويكدّر على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعما ولا يزال ساخطا على من لا يترضّاه ومتسخّطا لما لن ينال فوقه، فهو منغّص المعيشة دائم السّخطة محروم الطّلبة، لا بما قسم له يقنع ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود يتقلّب في فضل الله مباشرا للسّرور منتفعا به ممهّلا فيه إلى مدّة ولا يقدر الناس لها على قطع وانتقاص.
قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن أخاه؟ قال: لا أبا لك «١» ، أنسيت إخوة يوسف؟ وكان يقال: إذا أردت أن تسلم من الحاسد فعمّ عليه أمورك.
ويقال: إذا أراد الله أن يسلّط على عبده عدوّا لا يرحمه سلّط عليه حاسدا.