للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم يتّفقا في الخلق، فإن أراد هذا قصيرا أراد هذا طويلا؛ قال هشام: فكيف لا تسلم! قال: هيهات!.

وجاءه رجل ملحد فقال له: أنا أقول بالاثنين وقد عرفت إنصافك فلست أخاف مشاغبتك؛ فقال هشام وهو مشغول بثوب ينشره ولم يقبل عليه: حفظك الله، هل يقدر أحدهما أن يخلق شيئا لا يستعين بصاحبه عليه؟ قال: نعم؛ قال:

هشام: فما ترجو من اثنين! واحد خلق كلّ شيء أصحّ لك! فقال: لم يكلّمني بهذا أحد قبلك.

قال المأمون لمرتدّ إلى النصرانية: خبّرنا عن الشيء الذي أوحشك عن ديننا بعد أنسك به واستيحاشك ممّا كنت عليه؛ فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به، وإن أخطأ بك الشّفاء ونبا عن دائك الدّواء كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك بلائمة، وإن قتلناك قتلناك بحكم الشريعة، وترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثّقة وتعلم أنّك لم تقصّر في اجتهاد ولم تفرّط في الدخول من باب الحزم؛ قال المرتدّ: أوحشني ما رأيت من كثرة الاختلاف فيكم؛ قال المأمون: لنا اختلافان: أحدهما كالاختلاف في الأذان، والتكبير في الجنائز، والتشهّد، وصلاة الأعياد، وتكبير التشريق، ووجوه القراءات، ووجوه الفتيا، وهذا ليس باختلاف، إنما هو تخيّر وسعة وتخفيف من المحنة، فمن أذّن مثنى وأقام مثى لم يخطّىء من أذّن مثنى وأقام فرادى، ولا يتعايرون بذلك ولا يتعايبون، والاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتأويل الحديث مع اجتماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عين الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت هذا الكتاب، فقد ينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والإنجيل متّفقا على تأويله كما يكون متّفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلاف في شيء من

<<  <  ج: ص:  >  >>