للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحبار والرهبان مصفّدين في الإسار؟ أو ما رأيت أبناء موسى وهارون تضرب عليهم السّهام ويقتسمهم الأشرار، وولدان الملوك خدما للكفّار؟ أو ما رأيت قتلانا لم يوار أحدا منهم قبر، ولم يعهد أحد منهم إلى ولد؟ فالحكماء مبهوتون، والعلماء يموجون، والحلماء متحيّرون، وأهل الرأي ملقون بأيديهم مستسلمون. قال: فبينا أنا أكلّمها غشّى وجهها نور مثل شعاع الشمس حال بيني وبين النظر إليها، فخمّرت من شدّته وجهي ورددت يدي على بصري، ثم كشفت وجهي فإذا أنا لا أحسّها ولا أرى مكانها، وإذا مدينة قد رفعت لي حصينة بسورها وأبوابها، فلما نظرت إلى ذلك خررت صعقا، فجاءني الملك فأخذ بضبعيّ ونعّشني «١» وقال لي: ما أضعفك يا عزير! وقد زعمت أنّ بك من القوّة ما تخاطب به ربّك وتدلي بالعذر عن الخاطئين من بني إسرائيل؛ قال له عزير: مثل الذي رأيت وعاينت أضعفني وأذهب روحي؛ قال الملك: فإنّ المرأة التي كلّمتك هي المدينة التي تبكي عليها، صورّها الله لك في صورة أنثى فكلّمتك، فافقه عنها: أما قولها: أنها عمّرت زمانا من دهرها عاقرا لا ولد لها، فكذلك كانت إيلياء صعيدا من الأرض خرابا لا عمران فيها أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وأمّا قولها: إنّ الله وهب لها غلاما عند اليأس، فذلك حين أقبل الله عليها بالعمران فابتعث الله منها أنبياءه وأنزل كتابه. وأما قولها: إنه هلك ولدها حين كمل في سرورها، فذلك حين غيّر أهلها نعم الله وبدّلوها ولم يزدادوا بالنعم عليهم إلا جرأة على الله وفسادا، فغيّر الله ما بهم وسلّط عليهم عدوّهم حتى أفناهم، وقد شفّعك الله في قومك وكتابك ومدينتك، وسيعيدها الله عامرة كما رأيت: عليها حيطانها وأبوابها، وفيها مساجدها وأنهارها

<<  <  ج: ص:  >  >>