حين نزلا من جبال التّيه على بحيرة الأردنّ وقد قعد على شفير البحيرة وأنقع قدميه في الماء، وقد كاد العطش يذبحه وهو يقول: وعزّتك لا أذوق بارد الشراب حتى أعلم أين مكاني منك! فسأله أبواه أن يأكل قرصا كان معهما من شعير، ويشرب من الماء ففعل وكفّر عن يمينه فمدح بالبرّ؛ قال الله عز وجل:
«١» وردّه أبواه إلى بيت المقدس، فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريّا لبكائه حتى يغمى عليه، فلم يزل كذلك حتى خرقت دموعه لحم خدّيه، وبدت أضراسه، فقالت له أمه: يا يحيى، لو أذنت لي اتخذت لك لبدا «٢» ليواري إضراسك عن الناظرين؛ قال: أنت وذاك، فعمدت إلى قطعتي لبود فألصقتهما على خدّيه، فكان إذا بكى استنقعت دموعه في القطعتين فتقوم إليه أمّه فتعصرهما بيديها، فكان إذا نظر إلى دموعه تجري على ذراعي أمّه قال: اللهمّ، هذه دموعي وهذه أمّي وأنا عبدك وأنت أرحم الراحمين.
بلغني عن أبي معاوية عن أبي إسحاق الخميسيّ قال: كان يزيد الرّقاشيّ يقول: ويحك يا يزيد! من يصوم عنك! من يصلّي عنك! ومن ذا يترضّى لك ربّك من بعدك! ثم يقول: يا معشر من الموت موعده، والقبر بيته ألا تبكون؟ قال: فكان يبكي حتى تسقط أشفار «٣» عينيه.
بلغني عن محمّد بن فضيل عن العلاء بن المسيّب عن الحسن قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرة دم في سبيله وقطرة دمع في