المؤمنين، ولا أرى لمقامي هذا شيئا هو أفضل من أن أنبّه أمير المؤمنين لفضل نعمة الله عليه ليحمد الله علي ما أعطاه، ولا شيء أحضر من حديث سلف لملك من ملوك العجم إن أذن لي فيه حدّثته به؛ قال: هات؛ قلت: كان رجل من ملوك الأعاجم جمع له فتاء «١» السّنّ وصحّة الطّباع وسعة الملك وكثرة المال، وذلك بالخورنق «٢» ، فأشرف يوما فنظر ما حوله فقال لمن حضره: هل علمتم أحدا أوتي مثل الذي أوتيت؟ فقال رجل من بقايا حملة الحجة: إن أذنت لي تكلّمت؛ فقال: قلّ، فقال: أرأيت ما جمع لك؟ أشيء هو لك لم يزل ولا يزول، أم هو شيء كان لمن قبلك زال عنه وصار إليك وكذلك يزول عنك؟ قال: لا! بل شيء كان لمن قبلي فزال عنه وصار إليّ وكذلك يزول عنّي؛ قال: فسررت بشيء تذهب لذته وتبقى تبعته، تكون فيه قليلا وترتهن به طويلا؛ فبكى وقال: أين المهرب؟ قال: إلى أحد أمرين: إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة ربّك وإما أن تلقي عليك أمساحا «٣» ثم تلحق بجبل تعبد فيه ربك حتى يأتي عليك أجلك؛ قال: فمالي إذا أنا فعلت ذلك؟ قال: حياة لا تموت وشباب لا يهرم وصحّة لا تسقم وملك جديد لا يبلى؛ فأتى جبلا فكان فيه حتى مات. وأنشده قول عديّ بن زيد:
وتفكّر ربّ الخورنق إذ أص ... بح يوما وللهدى تفكير
سرّه حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسّدير «٤»