للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرّة وأنا بها، فقلت: لأقعدنّ له، لعليّ أتعلّق عليه بسقطة، فقام من القبر مقاما ما ذكرته قطّ إلا اقشعرّ جلدي.

روى ابن عيّاش عن سعيد بن أبي عروبة قال: حجّ الحجّاج فنزل بعض المياه ودعا بالغداء، فقال لحاجبه: انظر من يتغدّى معي واسأله عن بعض الأمر؛ فنظر الحاجب فإذا هو بأعرابيّ بين شملتين من شعر نائم، فضربه برجله وقال: ائت الأمير فأتاه؛ فقال له الحجاج: اغسل يدك وتغدّ معي؛ قال:

إنه دعاني من هو خير منك فأجبته؛ فقال له الحجاج: من الذي دعاك؟. قال:

الله تعالى دعاني إلى الصوم فصمت؛ قال: في هذا اليوم الحارّ؟ قال: نعم، صمت ليوم أحرّ منه؛ قال: فأفطر وتصوم غدا؛ قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد؛ قال: ليس ذاك إليّ؛ قال: فكيف تسألني عاجلا بآجل لا تقدر عليه؛ قال: إنه طعام طيّب؛ قال: إنك لم تطيّبه ولا الخبّاز، ولكن طيّبته العافية.

ونحو هذا حدّث الأصمعيّ عن شبيب بن شيبة قال: كنّا في طريق مكة فجاء أعرابيّ في يوم صائف شديد الحرّ ومعه جارية سوداء وصحيفة، فقال:

أفيكم كاتب؟ قلنا: نعم؛ وحضر غداؤنا فقلنا: لو دخلت أصبت من الطعام! قال: إني صائم؛ قلنا: في الحرّ وشدّته وجفاء البادية؟ فقال: إن الدنيا كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، ولا أحبّ أن أغبن أيّامي، ثم نبذ إلينا الصحيفة، وقال: اكتب ولا تزيدنّ على ما أقول حرفا: هذا ما أعتق عبد الله ابن عقيل الكلابيّ، أعتق جارية له سوداء يقال لها لؤلؤة، ابتغاء وجه الله تعالى وجواز العقبة، وإنه لا سبيل له عليها إلا سبيل الولاء، المنّة لله عليها وعليه واحدة. قال الأصمعيّ: فحدّثت بها الرشيد، فأمر أن يعتق عنه ألف نسمة أو مائة نسمة، ويكتب لهم هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>