للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكأنما جنى على بدنه كله وقتله، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك (١)، ولا غرو فإنَّ الدية تكون كاملة لمن جنى على يدي غيره، أو عينيه، فمن باب أولى تكون في الجناية على العقل؛ إذ هو أعظم مكانة وأعلى قدرًا.

- ومنها: أن جعل الله تعالى أولي العقول الصحيحة السليمة ينالون شرف الوقوف خلف الإمام، وإن كان هذا الإمام هو النبي حيث قال " ليلني منكم أولوا الأحلام والنُّهى " (٢)، والنُّهى هي العقول وسميت بذلك؛ لأنها تنهى صاحبها عن الوقوع في المهالك.

- ومنها: أنه ربى العقل على النظر واتباع البرهان ونبذ التقليد الذي لا يقوم على الدليل كما في قوله تعالى ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)[الأنبياء: ٢٤]، وقال تعالى ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (١١٧)[المؤمنون: ١١٧].

- ومنها: أنه دعا إلى تنمية العقل ماديًّا ومعنويًّا: ماديًّا بالأكل والغذاء بغير إسراف ولا تبذير، فقال تعالى ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)[الأعراف: ٣١]، ومع أنَّ التغذية المرادة للشرع أصالة هي التغذية المعنوية، لكن التغذية المادية مرتبطة بالتغذية المعنوية؛ ولذا كُره للقاضي أن يقضي وهو جائع، وأُمر بتقديم الطعام على الصلاة إذا حضرا معًا.

أما تنميته معنويًّا: فبالإرشاد إلى طلب العلم؛ إذ أنه أساس الإيمان، وكلما ازداد العبد علمًا ازداد إيمانًا وخشية قال تعالى ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)[فاطر: ٢٨]، وقال تعالى ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)[طه: ١١٤]، وجعَل تعلُّمَ العلم واجبًا على كل مسلم، فعن أنس بن مالك قال: قال


(١) الإجماع لابن المنذر (ص ١١٢).
(٢) أخرجه: مسلم (٤٣٢)، أبوداود (٦٧٤)، النسائي (٨٠٧).

<<  <   >  >>