وهذه القاعدة تتشابه مع قاعدة أصولية ألا وهي قاعدة "تزاحم المحرمات".
مثال: عن أنس بن مالك ﵁ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله ﷺ: مه مه، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزرموه دعوه» فتركوه حتى بال، ثم إنَّ رسول الله ﷺ دعاه، فقال له «إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر إنما هي لذكر الله ﷿، والصلاة، وقراءة القرآن» قال: فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه" (١).
فهنا تزاحم في حقه محرمان: الأول البول في المسجد، والثاني إيذاء المسلم بقطع بوله، فقدم النبي ﷺ المحرم الأدنى وهو البول في المسجد، وفوَّت الأعلى وهي إيذاء المسلم.
وقد تكون المفسدة الأعظم هنا هي زيادة المحرم؛ لأنَّ الأعرابي ما بال في المسجد إلا لأنه لا يعلم أنَّ البول في المسجد حرام، فلما زجره الصحابة، وصاحوا به قال لهم النبي ﷺ " دعوه لاتزرموه " أي: لا تقطعوا عليه بوله؛ لأنَّ زجره مع عدم العلم قد يؤدي لنفوره فيسبب زيادة للنجاسة في المسجد؛ ولذا قدم النبي ﷺ المفسدة الأدنى وهي البول في مكان واحد في المسجد، فهو أولى من البول في أماكن متعددة.