للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا": «لقد حجرت واسعًا»، يريد صلى الله عليه وسلم رحمة الله، فإن رحمة الله قد وسعت كل شيء، قال عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦] (١) فقد بخل هذا الأعرابي برحمة الله على خلقه. وقد أثنى عز وجل على من فعل خلاف ذلك حيث قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] (٢) وهذا الأعرابي قد دعا بخلاف ذلك فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة (٣).

وحينما بال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركه؛ لأنه قد شرع في المفسدة، فلو منع ذلك لزادت المفسدة، وقد حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منعه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لدار بين أمرين:

١ - إما أن يقطع عليه بوله، فيتضرر الأعرابي بحبس البول بعد خروجه.

٢ - وإما أن يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه، أو ثوبه، أو مواضع أخرى من المسجد.

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكف عنه للمصلحة الراجحة، وهي دفع أعظم المفسدتين أو الضررين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما (٤)


(١) سورة الأعراف، الآية ١٥٦.
(٢) سورة الحشر الآية ١٠.
(٣) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١٠/ ٤٣٩.
(٤) انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري١/ ٣٢٥، وشرح النووي على مسلم٣/ ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>