للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا رأى صلى الله عليه وسلم الرجل ضعيف الإِيمان، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجزل له في العطاء، قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يُكبَّ في النار على وجهه» (١).

ولذلك كان صلى الله عليه وسلم «يعطي رجالًا من قريش المائة من الإِبل» (٢).

ومن مواقفه الحكيمة العظيمة في ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم مع المرأة المشركة صاحبة المزادتين، فإنه صلى الله عليه وسلم بعد أن أسقى أصحابه من مزادتيها، ورجعت المزادتان أشد ملاءة منها حين ابتدأ فيها «قال لأصحابه: " اجمعوا لها "، فجمعوا لها - من بين عجوة ودقيقة وسويقة - حتى جمعوا لها طعامًا كثيرًا وجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها: " اذهبي فأطعمي هذا عيالك، تعلمين والله ما رزأناك (٣).

من مائك شيئًا، ولكن الله هو الذي أسقانا».

وفي القصة أنها رجعت إلى قومها فقالت: لقيت أسحر الناس، أو هو نبي كما زعموا، فهدى الله ذلك الصرم (٤) بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا (٥).

وفي رواية: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يومًا لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدًا، فهل لكم في الإِسلام؛ فأطاعوها، فدخلوا في الإِسلام (٦).

وقد كان سبب إسلام هذه المرأة أمران:

الأمر الأول: ما رأته من أخذ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مزادتيها ولم ينقص ذلك من مائها شيئًا، وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على صدق رسالته.

الأمر الثاني: كرم النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر أصحابه أن يجمعوا لها، فجمعوا لها طعامًا كثيرًا.

أما قومها، فقد أسلموا على يديها، لأن المسلمين صاروا يراعون قومها بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستئلاف لهم، حتى كان ذلك سببًا لإِسلامهم (٧).

وهذه الأمثلة التي سقتها ما هي إلا قطرة من بحر من كرم النبي صلى الله عليه وسلم، فما أحوجنا، وما أولى جميع الدعاة إلى الله - عز وجل - إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والاقتباس من نوره وهديه في دعوته وفي أموره كلها، والله المستعان.

١٠ - مواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع زعيم المنافقين عبد الله بن أُبَيّ: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد أجمع الأوس والخزرج على تمليك عبد الله بن أُبي، ولم يختلف عليه في شرفه اثنان، ولم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين، وكانوا قد نظموا له الخرز، ليُتَوِّجوه ثم يملِّكوه عليهم، فجاءهم الله - تعالى - برسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك، فلما انصرف قومه عنه إلى الإِسلام امتلأ قلبه حقدًا وعداوة وبغضًا، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكه، فلما رأى قومه أبوا إلا الإِسلام، دخل فيه كارهًا، مصرًا على النفاق والحقد والعداوة (٨) ولم يأل جهدًا في الصدّ عن الإِسلام، وتفريق جماعة المسلمين، والذب عن اليهود ومساعدتهم.


(١) البخاري مع الفتح، كتاب الزكاة، باب قوله تعالى: (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) ٣/ ٣٤٠، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء من يخاف على إيمانه ٣/ ٧٣٣.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم ٦/ ٢٤٩.
(٣) أي: لم ننقص من مائك شيئًا انظر: فتح الباري ١/ ٤٥٣.
(٤) الصرم: أبيات مجتمعة من الناس. انظر: فتح الباري ١/ ٤٥٣.
(٥) البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب علامات النبوة ٦/ ٥٨٠، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها ١/ ٤٧٦.
(٦) البخاري مع الفتح، كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء ١/ ٤٤٨.
(٧) انظر: فتح الباري ١/ ٤٥٣.
(٨) انظر سيرة ابن هشام ٢/ ٢١٦، والبداية والنهاية ٤/ ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>