للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ظهرت مواقفه الخبيثة في معاداته لدعوة الإِسلام، ولكن عن طريق التستر والنفاق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقابل عداوته بالعفو والصفح والحلم؛ لأنه يُظهر الإِسلام، ولأن له أعوانًا من المنافقين، هو رئيسهم وهم تبع له، فكان صلى الله عليه وسلم يحسن إليه بالمقال والفعال، ويقابل إساءته بالعفو والإِحسان في عدة مواقف، منها على سبيل المثال ما يأتي:

(أ) شفاعته لليهود (بنو قينقاع) عندما نقضوا العهد: نقض بنو قينقاع العهد بعد بدر بكشف عورة امرأة من المسلمين في السوق، وبقتل رجل نصرها من المسلمين (١) فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت للنصف من شوال، على رأس عشرين شهرًا من الهجرة، وحاصرهم خمسة عشر يومًا، وتحصنوا في حصونهم، فحاصرهم أشد الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهم فَكُتِّفُوا، وكانوا سبعمائة مقاتل، فقام إلى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُبي حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فأعرض عنه، فأدخل يديه في جيب درع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربع مائة حاسر، وثلاثمائة دارع (٢) قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فوهبهم النبي صلى الله عليه وسلم له (٣) وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها، فخرجوا إلى أذرعات من


(١) انظر: سيرة ابن هشام ٢/ ٤٢٧، والبداية والنهابة ٤/ ٤، والرحيق المختوم ص ٢٢٨، وهذا الحبيب ص ٢٤٦.
(٢) الحاسر: هو الذي لا درع له، والدارع: هو لابس الدرع. انظر: المعجم الوسيط، مادة " حسر "، ١/ ١٧٢، ومادة " درع " ١/ ٢٨٠.
(٣) انظر: سيرة ابن هشام ٢/ ٤٢٨، والبداية والنهاية لابن كثير ٤/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>