للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وفٍي هذه الغزوة قال عدو الله: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: ٧] (١).

وقد ظهرت الحكمة المحمدية، وتجلت السياسة الرشيدة في إخماد النبي صلى الله عليه وسلم نار الفتنة، وقطع دابر الشر - بفضل الله ثم بصبره - على عبد الله ابن أُبي، وتحمله له، والإِحسان إليه، ومقابلة هذه المواقف المخزية من هذا الزعيم المنافق بالعفو؛ لأن هذا الرجل له أعوان، ويخشى من شرهم على الدعوة الإِسلامية؛ ولأنه يظهر إسلامه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب - حينما قال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق -: «دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه» (٢).

فلو قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان ذلك منفرًا للناس عن الدخول في الإسلام؛ لأنهم يرون أن عبد الله بن أُبي مسلم، ومن ثم سيقول الناس: إن محمدًا يقتل المسلمين، فعند ذلك تظهر المفاسد، وتتعطل المصالح. فظهرت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على بعض المفاسد خوفًا من أن تترتب على ذلك مفسدة أعظم؛ ولتقوى شوكة الإِسلام، وقد أمر بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.


(١) سورة المنافقون، الآية ٧.
والحديث في البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة المنافقون، باب قوله تعالى وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّه، ٨/ ٦٤٨، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ٤/ ٢١٤٠.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة المنافقون، باب سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ، ٨/ ٦٤٨، ٨/ ٦٥٢، ٦/ ٥٤٦، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ٤/ ١٩٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>